من الصعب إعطاء تعريف للثقافة لأن مفهومها يختلف باختلاف الزمان و المكان . في اللغة الفرنسية و الانجليزية كلمة “CULTURE” تعني حرث الأرض و زراعتها و تخصيبها و على المستوى المجازي الثقافة تعني عملية إخصاب الذهن و تعنى كذلك ” le culte ” أي العبادة و التدين لأن الدين كان المنبع الأول للثقافة قديما . مع بداية القرن العشرين عرفت هذه الكلمة انتشارا واسعا و صار من الصعب الوقوف على تعريف واحد يحيط بها . معجم “LAROUSSE” يعرفها بما يلي : ” الثقافة هي مجموع البنيات الاجتماعية و المظاهر الفنية ، الدينية ، الثقافة التي تميز مجموعة أو مجتمعا مقابل آخر ، هي مجموع القناعات المشتركة في طريقة التفكير و الفعل و رؤية العالم . تعريف آخر يقول : الثقافة هو ذاك الجهد المبدول لتقديم إجابات على التساؤلات المحيرة التي تواجه المجتمع ثم محاولة إيجاد الحلول اللازمة لها قصد توجيه سلوك الإنسان نحو الأفضل. الثقافة هي مجموعة من الأفكار و السلوكات التي تساعد على رسم استراتيجية تمكنه من اكتساب المعارف و العقائد و الفنون و الأخلاق و المبادئ و العلوم الإنسانية. هناك تعريف بليغ لحسنين هيكل يقول : ” المثقف هو الإنسان الذي يستطيع أن يكون لنفسه رؤية و موقفا من الإنسان و المجتمع و الطبيعة و الكون ” انتهى كلام هيكل .
في جميع أقطار العالم هناك عدة أصناف من المثقفين . أنبلهم و أشرفهم ذاك الشخص الذي يضع ثقافته و فكره في خدمة مجتمعه ، يوقظ الضمائر الميتة ، و يدافع على المبادئ النبيلة يفضح الممارسات اللا إنسانية ، يدود على حقوق المستضعفين يحارب الظلم و القهر و الزبونية و المحسوبية . ثم هناك مثقف النخب يعيش في برج عاجي له خطاب مع أقلية من أمثاله يحلق خارج السرب و هو غارق في أنانيته . هناك صنف من المثقفين كيده أخطر من كيد الشيطان ، متكبر ، مستبد ، يحول كل طاقته و قلمه لرفض الآخرين ، لا يعرف سوى الإقصاء . لديه نرجسيه و تضخم في الأنا يبخل على الناس بمعرفته لا يتقاسمها مع أحد فتصبح كتاباته عدمية عدوانية و مدمرة ، و أخيرا هناك مثقف السلطة الذي يكرس الظلم ، و يصفق للاستبداد و الخضوع يهتم بجمع رؤوس الأموال بدل رؤوس الأقلام و الدفاع على هموم العوام .
الخلاصة : في اعتقادي المتواضع الثقافة بدون سلوك لا تساوي قلمة ظفر ، و المثقف الذي لا موقف و لا مبدأ له ، و لا تسمو به ثقافته و تنزهه عن الجور و الغطرسة يصبح وعاء علم سلطي.
المثقف الحق هو الذي يكون حاضرا للإجابة على أسئلة اللحظة الراهنة ، يدافع على هموم الشعب و لا يبقى أبدا على مسافة من التأثيرات السلبية قابعا في برجه العاجي .
مراكش في 08/12/2014
المصدر : https://tassaout.net/?p=1027