تابعنا على انستغرام

اشكالية لغة الزجل…قراءةفي مشموم بوح الحال…ل عمر نفيسي…

تساوت 24
2015-11-18T12:25:10+00:00
ابداعثقافة و فن
تساوت 2418 نوفمبر 2015
اشكالية لغة الزجل…قراءةفي مشموم بوح الحال…ل عمر نفيسي…
عمر نفيسي

خلال ستة (2011)، أصدر الزجال عمر نفيسي كتابه الأول عن مطبعة وليلي، وقد اختار له أن يحمل عنوانا هو:”مشموم بوح الحال”. فجاء هذا الكتاب متشكلا مما يقارب الثمانين صفحة من القطع المتوسط. وتضمن (إهداء) توجه به عمر نفيسي إلى المرأة التي يعترف بكونها علمته كيف يكون، والتي يعود لها كذلك فضل تحويله من كائن مفرد إلى كائن متعدد، إذ مثلت عنده المتكأ الذي يعتمد عليه، وأقدرته على أن يستخدم بصره وبصيرته. وتأتي بعد هذا الإهداء “مقدمة” حبرها يراع الدكتور عبد الجليل بن محمد الأزدي تحت عنوان: “كتابة البوح وبوح الكتابة”، وتناول فيها بالعرض طبيعة الموضوعات التي تطرق إليها المؤلف في هذه النصوص، وأشر على أشكال التعبير التي توسلها عمر نفيسي من حيث المعجم والإيقاع والتصوير الشعري. وقبل الوصول إلى متن النصوص عمل الكاتب على تسطير ما عنونه ب:”كلمة الزجال”، وهي كلمة يتوجه بها إلى القارئ، ليخبره بأن ما بين يديه عبارة عن ما تيسر للزجال اقتطافه من جنة وجدانه، التي وجدها روضة غناء، فزرع فيها من بذور أحلامه، وسقاها من مياه أفراحه وأحزانه، فأزهرت ونورت، وجاءت كلماتها متنوعة. ثم تأتي بعد هذا النصوص الزجلية التي تتشكل منها أضمومة:”مشموم بوح الحال”، وعددها واحد وعشرون (21) نصا، بعضها يحمل عنوانا متكونا من كلمة واحدة، والبعض الآخر من أكثر من كلمتين. كما أن بعضها اتخذ الشكل العروضي الشبيه بما يعرف عند شعراء الشعر المعرب باسم الشعر العمودي المتشكل من أبيات متوازية الشطرين، وهو ما يعرف عند شعراء الشعر العربي المغربي الملحون باسم المبيت المثني، أما البعض الآخر فاتخذ الشكل الشبيه بالشعر التفعيلي، أي ما يعرف عند العموم باسم الشعر الحر، وهو قريب من حيث الشكل الظاهر بما يعرف باسم السوسي عند شعراء الملحون. وفي الختام سجل الشاعر الزجال عمر نفيسي كلمة توجه بها إلى قارئ ديوانه ليضرب له موعدا، إذ يقول له:
حلمي نمتع القاري ب اشعاري
ونضرب ليه ميعاد فيا تاني
غير تسناني وترقب اصداري
انجيك وانت اكحل يزين اعياني
ويأتي هذا الكتاب، الذي انتقى له صاحبه أن يوسم بميسم الانتماء إلى مجال “الزجل”، ضمن كوكبة من الإصدارات التي أخرجتها المطابع المغربية، والتي أعلن أصحابها انتماءها إلى هذا المجال من القول والتعبير الإبداعيين. وهو المجال الذي يمكن أن نسجل بصدده كون المشتغلين في سياقاته يتوسلون اللسان العربي الدارج بين ساكنة هذا القطر المغربي، وبواسطة هذه اللغة العربية المغربية يتناولون ويعالجون أغراضا شعرية وموضوعات فكرية وقضايا ذات أبعاد اجتماعية ونفسية وسياسية. ولعل في ما كتبه د. عبد الجليل بن محمد الأزدي في الــ”مقدمة”، التي وضعها لهذا المؤلف تحت عنوان: ((كتابة البوح وبوح الكتابة))، ما يؤكد أن الزجل كتابة إبداعية تتخذ من اللسان العربي الدارج في الأوساط الاجتماعية المغربية وسيلتها في التواصل والإبلاغ ببلاغة عن الأفكار والرؤى والمواقف التي يروم المؤلف الزجال التعبير عنها وإيصالها إلى متلقي إبداعه سواء أكانوا من القراء أم كانوا من المستمعين. فقد سجل د. عبد الجليل الأزدي أن عمر نفيسي تناول في النصوص الزجلية التي اشتمل عليها مؤلفه”مشموم بوح الحال” عددا من الموضوعات: (…شديدة الصلة بالمرأة المعشوقة، وبمديح الأمكنة القدسية والمزارات، وبالإطراء على الدورة الطبيعية وما هو منها صيف أساسا، وبنقد مظاهر الفساد في الإدارة المغربية وخاصة الرشوة، وبالحث على حسن الجوار ونقد الجار الجزائري والتذكير باتحاد المغرب العربي، وبتثمين الثورتين التونسية والمصرية. ومجمل هذه الموضوعات قد تلخصها ثلاث كلمات: المكان والمرأة والسياسة.) ص:06وص:07.
ونستطيع إضافة أن ثمة موضوعة أساسية أخرى، احتفى بها عمر نفيسي، وهي الكتابة الشعرية الزجلية بما أنها أول ما أشرع به المؤلف مجموع النصوص التي تتكون منها أضمومته. فقد جاءت النصوص الزجلية الأولى متمحورة حول الشعر. إذ حمل النص الأول لفظة “الكلام” عنوانا، وهي من الألفاظ التي تستعمل للدلالة على الشعر، فيقال مثلا في العربية المقعدة والموصوفة بأنها فصحى: (الشعر كلام موزون ومقفى)، وهي من الأسماء التي يطلقها شعراء الملحون على هذا النمط من القول الشعري المغربي الأصيل. أما النص الثاني فقد حمل عنوانا هو: “نرجاك يا قريحتي”، ومعلوم أن لفظ القريحة من الألفاظ ذات الارتباط بمجال الإبداع الشعري، كما أنها من الألفاظ التي أطلقها ناس الملحون على عملية إنشاد هذا الشعر، فيسمى المنشد عندهم “شيخ القريحة”، بينما يسمى الشاعر المبدع للنصوص عندهم “شيخ السجية”. وقد جاء النص الثالث حاملا لعنوان يجمع بين موضوعتي الشعر والعشق، وهو:”أنتيا قصيدة فيا”.
وإذا كنت قد اخترت “إشكالية لغة الزجل” عنوانا لهذه الورقة، فما ذلك إلا بسبب من أن قراءتي في هذه الإضمامة الزجلية قد جعلتني أواجه السؤال التالي: كيف يمكن تحديد لغة الزجل المغربي المعاصر؟ ما هي السمات والمميزات الصوتية والصرفية والتركيبية والدلالية التي تفرق بينها وبين لغة الكتابة التي يتوسل بها الشعراء والأدباء، والمنعوتة بكونها فصيحة؟
قد يلاحظ الدارس لما يصدر من دواوين زجلية أن ثمة من الشعراء الزجالين من اختار لغة عربية ترتبط بالعيش في القرية المغربية، من حيث نطق أصواتها وتشكيل صيغ ألفاظها وتركيب جملها، ومنهم من انتقى له لغة عربية تمتاح موادها الصوتية والصرفية والتركيبية والنحوية والدلالية التداولية مما تم توارثه عن المتصوفة المعروفين باسم المجاذيب، وصنف ثالث من الشعراء الزجالين اصطفى له لغة عربية مدينية معاصرة، هي أقرب ما تكون إلى اللغة العربية الموسومة بالفصيحة.
وإذا نحن التفتنا إلى التجربة الشعرية، التي خاضها الشعراء الشيوخ تحت مسمى الملحون، سنجد أن أهم الشعراء في هذه التجربة قد استثمروا اللغات: العربية المغربية التي وسمها ابن خلدون بأن لا شأن لها بالإعراب، والعربية المقعدة المتوارثة والمستمرة الوجود في كتاب الله وسنة رسوله (ص) وفي الشعر العربي الوارد من الأزمنة الجاهلية والعباسية، واللغات المحلية كالأمازيغية، علاوة على الاستفادة من بعض اللغات الأجنبية باستعمال بعض مفرداتها حين تكون الحاجة ماسة إلى ذلك. وهذا يعني أن لغة الشعر المغربي العربي الملحون هي ما أسميه شخصيا اللغة العربية المغربية، وهي لغة موادها الصوتية والصرفية والتركيبية والدلالية والتداولية تمتاحها من التراث الثقافي العربي كما ورد علينا من المشرق وكما تمت بلورته محليا أي ما بين العدوتين [بلاد الأندلس والمغرب] المشكلتين لما كان يسميه الأسلاف “الغرب الإسلامي”. فقد كان هؤلاء الشعراء الشيوخ يعمدون إلى تدريج الفصيح ومغربة المشرقي.
فكيف هي اللغة التي توسلها الزجال عمر نفيسي؟
انطلاقا من عنوان الإضمامة الزجلية يمكن للقارئ أن يلاحظ أن الألفاظ التي يتشكل منها قادمة من المعجم العربي الموسوم بالفصاحة، وهي نفس الملاحظة التي يمكن التأكد منها، حين الاطلاع على النصوص التي تتكون منها الإضمامة، والتي سنمثل لها بالنص الزجلي الذي يحمل عنوانا:”أنتيا قصيدة فيا”.
فإذا كان عنوان الإضمامة يتشكل تركيبيا/نحويا من مركب إضافي: ((مشموم بوح الحال))، فإن هذا المركب يتكون من أصوات أغلبها ذات مخارج شفهية، وصيغها الصرفية لا تبعد عما هو مألوف في قواعد الصرف العربي، ذلك أن لفظة “مشموم” قد جاءت على وزن مفعول، ولفظة “بوح” جاءت على وزن مصدر الفعل “باح” الذي مضارعه “يبوح”، بينما وردت لفظة “الحال” وفق صيغتها الصرفية المعتادة. أما من الناحية الدلالية فيمكن ملاحظة أن ثمة تحويرا لحق دلالة اللفظتين: (مشموم) و(الحال). وذلك ما يمكن تبينه من خلال:
ــ ملاحظة أن لفظة(مشموم) في الاستعمال العربي المقعد تفيد الدلالة على ما وقع عليه فعل الــ(شم)، وقد جاء بها الزجال عمر نفيسي في هذا المركب الإضافي لإفادة الدلالة المعتادة في الاستعمال العربي الذي درج عليه المغاربة، إذ تغدو حاملة للمعنى الذي يستفاد من لفظتي (باقة) و(طاقة) الدالتين على ما يجمع من الورود والأزهار ليقدم لمن نحبه أو لمن نعوده في مرضه. والحال أن عمر نفيسي يروم تقديم هذه الطاقة من النصوص الشعرية الزجلة إلى قارئ ديوان فإليه توجه بالخطاب في البدء والمنتهى.
ــ وملاحظة أن لفظة (الحال) التي سجل بصددها الفيروزآبادي في ص:397 من معجمه (القاموس المحيط)، (…والحال: كينة الإنسان، وما هو عليه، كالحالة، والوقت الذي أنت فيه، ويذكر، ج: أحوال وأحولة.(…) وحالات الدهر وأحواله: صروفه. والحال أيضا: الطين الأسود، والتراب اللين، وورق السمر يخبط وينفض في ثوب، والزوجة، واللبن، والحمأة، وما تحمله على ظهرك ما كان، والعجلة التي يدب عليها الصبي، وموضع اللبد من الفرس، أو طريقة المتن، والرماد الحار، والكساء يحتش فيه، ود باليمن بديار الأزد…). ولا واحدة من هذه الدلالات أرادها الزجال نفيسي من استعماله للفظة الحال، فهل رام منها ما يستفاد من الاصطلاح الصوفي الوارد شرحه في كتاب الشيخ عبد الرزاق القاشاني:((رشح الزلال في شرح الألفاظ المتداولة بين أرباب الأذواق والأحوال))، إذ أورد في ص ص:193/194 أن (الحال “ما يرد على القلب” الأخذ في السير إلى الله “من غير تعمد ولا اجتلاب”(…) “وقد قيل: الحال تغير الأوصاف على العبد” ؟؟ ربما سنكون بهذا قد دنونا ـ إلى حد ما ـ من مقصود الزجال من استعماله لفظة (الحال) في عنوان ديوانه، وقد يكون ذلك ما رام الإشارة إليه كاتب المقدمة حين تأطيره لبعض النصوص ضمن ما سماه(بمديح الأمكنة القدسية والمزارات)، كما أن (كلمة الزجال) الواردة في ص: 10، جاءت حاملة لجملة مفردات ذات دلالة على هذا المنحى الذي أشرنا عليه، والذي يمكن ترجمته بلفظة (الجذبة)، إذ تستوقفنا (جنة وجداني ــ قرقشت أعياني ــ أحلامي ــ فرحتي واحزاني ــ شعشع النوار) بما يمكن للقارئ اللبيب أن يستفيد منها دلالة على الانفعال والتفاعل البسيكولوجيين مع الواقع الموضوعي المعيش المتمثل: في ما هو خاص (العلاقة بالمرأة المعشوقة/ مديح الأمكنة القدسية والمزارات/ الإطراء على الدورة الطبيعية وما هو منها صيف أساسا)، وفي ما هو مشترك محليا (الفساد في الإدارة المغربية وخاصة الرشوة)، ثم في ما هو مشترك مع الشعوب العربية (التذكير باتحاد المغرب العربي/ تثمين الثورتين التونسية والمصرية). ويمكننا الزعم بأن الحال/الجذبة يتجلى في نفس (كلمة الزجال) حين تردد لفظة (كلمة) ما يتجاوز الثلاث عشرة مرة، إذ يشبه هذا التكرار ما يحدث حين يردد شيوخ المتصوفة ومريدوهم لفظة الجلالة أثناء ما يعرف عندهم باسم (العمارة)، وكذلك ما يقع عند مريدي الزاوية العيساوية حين يبلغون في الشطح المستوى المسمى عندهم (المجرد).
وإذا كان هذا ما تقدمه للقارئ المتمعن نصوص هذه الإضمامة الزجلية تأكيدا لكون الزجال عمر نفيسي قد عمد إلى استعمال الكثير من المكونات اللغوية الخاضعة لما تم تقعيده(أصواتا وصيغا صرفية وألفاظا وتراكيب نحوية) ويعتبر من اللغة العربية الفصيحة، فإن ذلك ما يستطيع القارئ المنتبه لأن يقف عليه في كل النصوص التي يتكون منها الديوان، ونمثل لها بالقصيدة التي اختار الزجال عنونتها: (انتيا قصيدة فيا)، فجاءت من ص:16 إلى ص:19. إذ يجد فيها القارئ كلمات وعبارات من الفصيح تؤكد ما ذهبنا إليه من استعمال الزجال عمر نفيسي لما تم تقعيده في اللغة العربية، وهو ما سنقوم بكتابته بحرف مضغوط:[ مريم… يا مريم/ يا كم يتداخل مكلكم فذاتي/ بيه نشعر…/ يداوي حسراتي/ مريم…/ يا حلم جميل/ يا رحمة الأعالي./ تهطل وتسيل/ مريم…/ ضو فظلام دواخلي ينير/ يا بلسم الجسد العليل/ يا فيض حنين… وحنين يفيض/ رقراق…/عذب المذاق…/ طعمو زنجبيل/ كائن فريد/سليل ضلعة/ مريم يا ولعة/ مثل ركوب الخيل/ مريم يا ركعة فصلاتي/خير من قيام الليل/هكذا كنتي وباقيا انتيا/ لقيتك فوجودي/ كي مومو عينيا/ اجتاحتي حدودي/ اهزمتي جنودي/ دخلتي قلعتي/ بإيدي وانا مكسور عنايتي/ سلمت مفاتح الباب…/ بالصواب والنية/ علمتيني نرقد مع الحية/ انتيا لغز/مخزز فيا/ انتيا العز/ المدفون كنز/ فسيرورتي التاريخية/ انتيا سلوى من شهدة/ انتيا مشاعر حلوة لذيذة/ انتيا قصيدة فيا/ حروفك ضوئية/ حبيتها تكون زجلية/ مريم… يا مريم/ يا كاس فجوفي دفقتو/ زادني ولعة/ وانا متيم/ يعربد خيالي/ يهجج اهبالي/ وفليعة الولعة ولفتو/ ويلا تطير علتو/ يبقى تمن فالخاطر/ حاكم تكبالي/ مريم نهديك/ أغلى معز عليا فيك/ نهديك مشموم/ ورود آهات القلب السقيم/ نشريك بحقي فيك/ نهديك أشعاري/ مدادها الدم الساري فعروقي/ نهديك زجل من نبع خيالي/ فمثل حفنة حنة/تورد بياض كفوف إيديك]

مراكش. المغرب
الأستاذ الباحث والناقد الفد محمد بوعابد

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق